27‏/08‏/2016

اقتلوا الخنازير الضالة أولاً !!

تحت عنوان " سلالات منقرضة " كتب الأديب السوري الكبير حيدر حيدر في كتابه المميز " أوراق المنفى " قصة قصيرة بطلها اللامنتمي ، حيث تأثَّرَ صاحب وليمة لأعشاب البحر كما يبدو بكولن ولسون في كتابه الجميل الذي يحمل ذات الاسم  ، ومن يملك ألّا يتأثر باللامنتمي حال مطالعته ؟!  

تتحدث قصة حيدرعن شباب سوريين تأثروا بالأدب الروسي وبالثورات التقدمية في العالم ، وكان من هؤلاء الشباب اليافع أن لاحظوا على أحد شباب قريتهم عدم انضمامه لأي من التيارات اليسارية أو غيرها، فاخذوا يطلقون عليه اسم " اللامنتمي " .

ذات شتاء قارس تنتشر كلاب مسعورة في القرية والقرى المجاورة ، مما يخيف الأهالي ، وحادثة نهش تلك الكلاب الضالة لطفل صغير تزيد من تلك المخاوف .

تدفع تلك الحادثة المخيفة إلى تشكيل خلية أزمة للتعامل مع مشكلة الكلاب الشاردة ، تتمخض الحلول بتقديم عريضة إلى البلدية لتخلص السكان من هذا الخطر .


في ذات الليلة الباردة بعد أن هجعت القرية تحت البطاطين الشتوية وتغلفَ الجوُّ برائحةِ الكستناء ِوعبق الصنوبر المحترق في المدافئ ، سمع سكان تلك لقرية دوي رصاصات منفردة أخذت تنثال طوال تلك الليلة الليلاء في أرجاء القرية ، الخوف الذي وجد طريقه السهلة استوطن في المفاصل فخانت أصحابها ، فما كان منهم إلا انتظار النهار أو مخلِّص منتظر !! .

بعد طول انتظار ومع خيوط الفجر البيضاء توقفت تلك الطلقات ، يخرج الفلاحون ليجدوا الأزقة مليئة بالكلاب النافقة ، وقد كُتِبت على أحد الجدران العبارة التالية : أيها الثوريون أقتلوا الكلاب الضالة أولاً ! ....التوقيع اللامنتمي .
::
ومع استعراض القصة السابقة يحضرني القول الكنعاني الفلاحي المُشرّب بلكنة الأرياف الحكي بيجر حكي  ،  ، من هنا واثناء متابعتي لصفحة مدرب الافاعي ( جمال العمواسي ) وهو شاب جريء من محافظة رام الله ، يعتبر خبيراً بالأفاعي والعقارب والأمصال المضادة لِسُمِّيتها ، يملك صفحة مميزة على موقع يوتيوب بإمكان القارئ متابعتها ليعرف بنفسه قدرات الشاب الجريئة الجنونية !!

 نشر العمواسي مؤخراًعلى صفحته عمليات صيد لخنازير برية في ضواحي رام الله ، حيث يطلب الفلاحون من العمواسي قتل تلك الخنازير الشاردة لما تسببه من أذى لمزروعاتهم ، وحدث أن هاجمتهم في بعض الأحيان . ومع تتبع الموضوع أكثر دُهشت من أعداد تلك الخنازير البرية ! فكان لا بدّ من البحث عن تاريخ وجود الخنازير البرية في فلسطين ، وهل هنالك خنزير بلدي كما هو الحال بالنسبة للكلب البلدي والعصفور البلدي والنحل البلدي .

هالني ما وجدت ، حيث تبين أنّ المستوطنين الصهاينة هم من قاموا بإحضار هذه الخنازير الشرسة التي تتغذى على النباتات واللحوم ناهيك عن سرعة تكاثرها الجنونية ، يكفي العلم أنّ أنثى الخنزير بمقدورها ولادة 15 خنزيراً في المرة الواحدة .! فإن فرغت من السطو على حقول الفلاحين وأكل الأخضر واليابس قامت بشن غاراتها على مزارع الدواجن والأرانب .!

يظهر في أحد الفيديوهات التي نشرها الشاب الجريء العمواسي كيف استطاع خنزير بري القضاء على كلبين من نوع ضخم يسمى الدوجو خلال أقل من دقيقتين لتنتهي تلك المعركة الشرسة بقتل الخنزير بإطلاق أعيرة نارية من مسدس العمواسي .

 وهنا يحق لنا كفلسطينيين غيورين على أطفالنا وممتلكاتنا أن نتساءل عن دور البلديات والسلطة الفلسطينية في مساعدة ذلك الفلاح الأعزل أمام هذه الوحوش الضارية ، فهل علينا الانتظار حتى نسمع خبر قتل فلاح أو طفل من قبل هذه الضواري ؟!

 هل علينا الاكتفاء بمشاهدة العمواسي وتشجيعه بوضع لايكات على صفحته وتركه وحيداً وكأنها قضيته لوحده ؟!

 ألا نتذكر ما حصل في برك سليمان من غرق الطفلين المؤلم والذي على إثره تم معالجة المشكلة وتم تسييج البرك ووضع الحراسة عليها ؟! 

هل علينا انتظار موت أحدهم في كل مرة قبل أن نتحرك ؟!
وما دورنا في مساعدة ذلك الفلاح من مضايقة المستوطنين وخنازيرهم ؟! 
أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة بسيطة مصدرها محافظي كل من رام الله ونابلس . وإلا فعلينا أن نوقع أسماءنا على جدرن صمتنا بطريقة ... " اللامنتمي " 

16‏/08‏/2016

إنّ أطهر كلمات الكون هي : نحن و لنا
وأبشعها : أنا و لي 

وأنا

"أمّا أنا فأفضِّل أن أكون من نسل ذلك القرد الشجاع ، على أن أكون من نسل إنسان همجي "
                     تشارلز داروين 
                          1859م

02‏/08‏/2016

الكتابة في الزمن الرديء ... الرواية إنموذجاً


لا بدّ للمتابع للساحة الروائية العربية ملاحظة كثرة الأعمال في الآونة الأخيرة ، وإن دلَّ هذا على شيء فهو يشي بحالة إيجابية تتمحور بعودة الكتاب لمكانته الطبيعية  ، ففي الوقت الذي يحتفي الغربيون بوضع مكتبتهم في الغرفة الأولى لبيوتهم ، تجد في الجهة الموازية من العالم العربي أنّ الثلاجة وسفرة الطعام تحتل هذا الحيز ، إن وجدت المكتبة في البيت العربي من الأصل !

يقول الروائي السوري حيدر حيدر :" إن قراءة رواية جميلة يوازي الغرق في حضن إمرأة عارية تحبها " ، وهذا صحيح ، لكن يضعنا أمام السؤال الذي تطمح هذه التدوينة في الإجابة عنه ، كيف نحكم على الرواية بالجمال من عدمه ؟ ، كيف تكون الرواية جميلة ؟ ما مقومات جمال الرواية ؟ كيف تعرف أنّ الرواية جميلة ؟ هل بالضرورة أن تكون الرواية جميلة في نظر كل من يقرأها أم هنالك تفاوت في استحسانها بين القراء ؟

اسئلة متشابهة وربما كان نفس السؤال قد طرح بشكل آخر كل مرة ، لكن الجواب قطعياً واحد .  فالنظرة الفاحصة للروايات الحديثة كفيلة بالإجابة عن السؤال ، فمن الكتَّاب من يتكئ على الموضوع وأصالته دون الإمساك بناصية اللغة وجماليتها وشكلها ، وتجد قاصاً أو روائياً آخر جعل من روايته بحثاً لموضوع ما ، وهذا جميل لكنه خطير في ذات الوقت ، لا يستطيع اتقانه الكثير، ريما نجح قلة في ذلك كرواية عزازيل ليوسف زيدان ، التي تعتبر بحق بحثاً قيماً عن الكنيسة المشرقية في العصر القديم ،  لكن هذه البراعة غير موجودة لدى آخرين .


البراعة تكمن في عناصر لا انفصام فيها من الخيال الخصب وهو الأكثر أهمية ،  وإن بدى لبعض المعاصرين ثانوياً لكن بدونه تصبح الرواية شبيهة فيلم وثائقي ، والقارئ بحاجة لفيلم مشوق يشد الأعصاب ، وإن حمل فكرة سامية او هدف ما فيزدان السمن عسلاً .

ما المزعج إذن ! الأكثر إزعاجاً هو اتجاه كثير من الرواة الجدد إلى كتابة سيرتهم الذاتية وتقديمها كروايات ، أو قصص قصيرة ، وهذا جميل نوعاً ما في حال وروده بين كتابات إبداعية مستوحاة من خيال خصب ، لكن الطامة الكبرى هي بالاعتماد الكامل على حوادث تتعلق بحيواة أولئك الرواة . وسبب ذلك هو قلة الخيال أو عدم وجوده من الأصل ،  وأنا في معزل عن ذكر بعض الأمثلة على أمثال هؤلاء .

يتساءل قارئ مفترض : هل تشجع الأعمال التي تعتمد على اللغة على حساب الموضوع وحداثته ؟! ربما سيكون جوابي بنعم ، لكن إن اعتمد الكاتب على موضوع وقصة جميلة وقدم روايته بقالب لغوي غني فبلا  شك أنّه سيصل إلى القارئ بالشكل المطلوب والأمثل  .